القرار رقم 3632 لسنة 2019 الصادر عن هيئة القاضي محمد إبراهيم - هيئة عامة

محكمة التمييز بصفتها الجزائية

محكمة التمييز الأردنية                                المملكة الأردنية الهاشمية

بصفتها : الجزائية                                           وزارة العــدل
رقم القضية: 3632/2019
                                                              القــــــــــــــــــــــــــــرار

    الصـادر عـن محكمـة التمييـز المأذونـة بإجـراء المحاكمـة وإصدار

               الحكـم باسـم حضـرة صاحـب الجلالـة ملك المملكة الأردنية الهاشمية

  عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم

   الهيئـة الحاكمـة برئاسـة القاضـي السيــد محمد إبراهيــــــــــــم

وعضويــة القضـــاة الســـادة

ناجـــــــي الزعبـــــي، ياســـــــــين العبداللات، باسم المبيضين، سعيد مغيض

ماجـــــــــــد العزب، د. نايف السمارات، حمد الغزاوي، رزق أبــــو الفــــــــــول

 

   بتاريـــــــــــــــخ 6/11/2019 وبكتابه رقم (7/10/ن/835) طلب وزير العدل من رئيس النيابة العامة سنداً لأحكام المادة (291) من قانون أصول المحاكمات الجزائية عرض ملف القضية رقم (4441/2019) محكمة بداية عمان بصفتها الاستئنافية والمقدم من رئيس النيابة العامة لغايات عرضه على محكمة التمييز كون الحكم قد اكتسب الدرجة القطعية ولم يسبق لمحكمة التمييز التدقيق فيه وتحقيقاً للعدالة ولكون القرار قد صدر بالأكثرية فإنني أرسل ملف القضية رقم أعلاه والمتفرع عن القضية التحقيقية رقم (4463/2019) مدعي عام عمان بكامل محتوياتها لغايات البحث في مضمون كتاب رئيس النيابة العامة رقم أعلاه المتضمن أن موضوع القضية ذو أهمية ولم يسبق عرضه على محكمة التمييز.

بتاريخ 7/11/2019 وبكتابه رقم (30/2019/2945) عرض رئيس النيابة العامة الطلب المرفوع إليه من وزير العدل استناداً لأحكام المادة (291) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، استناداً للطلب المقدم من قبله المتضمن الطعن بقرار محكمة بداية عمان بصفتها الاستئنافية وذلك لما شاب قرار تلك المحكمة من عيب مخالفة القانون المتمثل بالآتي:-

  • أخطأت محكمة بداية عمان بصفتها الاستئنافية باعتمادها المدة المحددة للتوقيف المنصوص عليها في المادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية مدة لبدائل التوقيف المنصوص عليها في المادة (114 مكررة) من القانون ذاته.

القــرار

   بالتدقيــــق والمداولـــــة نجـــد أن وقائع هذه القضية تشير إلى أن المشتكي طارق محمد إبراهيم الحسن تقدم إلى مدعي عام الزرقاء بالشكوى بمواجهة المشتكى عليه حميد أكرم حميد النجار.

نسب إليه فيها التهمتين التاليتين:-

  1.  الاحتيال خلافاً لأحكام المادة (417) من قانون العقوبات.
  2.  إساءة الأمانة خلافاً لأحكام المادة (423) من قانون العقوبات.

   باشر مدعي عام الزرقاء التحقيق بهذه الشكوى التي سجلت بالرقم (2315/2019) والاستماع إلى أدلتها وبيناتها وبتاريخ 26/5/2019 استجوب المدعي العام المشتكى عليه الذي تقدم بطلب دفع فيه بعدم الاختصاص المكاني والولائي وعدم وجود جرم حيث قرر مدعي عام الزرقاء رد الطلب المقدم إليه من وكيل المشتكى عليه ومن ثم أجاب المشتكى عليه عما أسند إليه بأنه غير مذنب وبعد إجراء المواجهة ما بين المشتكي والمشتكى عليه قرر مدعي عام الزرقاء توقيف المشتكى عليه لمدة أسبوع .

    وبتاريخ 27/5/2019 استأنف المشتكى عليه القرار الصادر عن مدعي عام الزرقاء المتضمن رد الدفع المثار من قبله لدى النائب العام في عمان الذي قرر بتاريخ 28/5/2019 فسخ قرار مدعي عام الزرقاء واعتبار مدعي عام عمان هو المختص بنظر هذه الدعوى سنداً للمادة (5) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

  بعد ورود الأوراق إلى مدعي عام عمان سجلت بالرقم (4463/2019) وباشر التحقيق فيها بعد اعتماد التحقيقات المتخذة من قبل مدعي عام الزرقاء .

   وبتاريخ 29/5/2019 وفي ضوء عدم ممانعة المشتكي طارق من إخلاء سبيل المشتكى عليه حميد لقاء وضع إشارة منع السفر خارج البلاد قرر المدعي العام وعملاً بأحكام المادة (114/6) من قانون أصول المحاكمات الجزائية استرداد مذكرة توقيف المشتكى عليه ما لم يكن موقوفاً أو محكوماً أو مطلوباً لجهة أخرى وعملاً بالمادة (114/ مكررة/1/ب) من القانون ذاته منع المشتكى عليه من السفر خارج البلاد وبتاريخ 9/9/2019 تقدم وكيل المشتكى عليه حميد بطلب إلى مدعي عام عمان يطلب فيه رفع إشارة منع السفر الصادر بحق المشتكى عليه حميد حيث قرر المدعي العام على الاستدعاء المقدم رفع إشارة منع السفر بحق المشتكى عليه حميد لقاء تقديم كفالة عدلية بقيمة خمسة ملايين دينار عملاً بالمادة (114/2/ج مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

    وبتاريخ 23/9/2019 قرر مدعي عام عمان على الاستدعاء المقدم إليه من وكيل المشتكى عليه والذي يطلب فيه رفع إشارة منع السفر عن المشتكى عليه بأن منع السفر الصادر بحق المشتكى عليه هو من بدائل التوقيف المنصوص عليها في المادة (114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وحيث إن بدائل التوقيف لا تخضع للمدة ذاتها المنصوص عليها في المادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية فقرر رفض الطلب .

   وبتاريخ 2/10/2019 تقدم وكيل المشتكى عليه بطلب إلغاء الكفالة العدلية المقررة بتاريخ 9/9/2019 سنداً لأحكام المادة (114 مكررة/2/ج) من قانون أصول المحاكمات الجزائية حيث قرر المدعي العام رفض الطلب على اعتبار أن منع السفر والكفالة الصادرة بحق المشتكى عليه هما من بدائل التوقيف المنصوص عليها بالمادة (114 مكررة) من القانون ذاته وحيث إن بدائل التوقيف لا تخضع للمدة ذاتها المنصوص عليها في المادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية فقرر رفض الطلب.

    لم يرتضِ المشتكى عليه حميد بهذا القرار فطعن فيه لدى محكمة بداية عمان بصفتها الاستئنافية التي أصدرت بتاريخ 4/11/2019 قرارها رقم (4441/2019) بالأكثرية قررت فيه فسخ القرار المستأنف وإعادة الأوراق إلى مصدرها للسير بالدعوى في ضوء ما ورد فيه.

وعن سبب الطعن ومفاده تخطئة محكمة بداية عمان بصفتها الاستئنافية باعتمادها المدة المحددة للتوقيف المنصوص عليها في المادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية مدة لبدائل التوقيف المنصوص عليها في المادة (114 مكررة) من القانون ذاته.

    وفي ذلك نجد أن الأمر يتعلق بالتدابير البديلة للتوقيف الواردة في نص المادة (114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية والسؤال المثار حولها هو ما إذا كانت هذه التدابير تخضع لمدد محددة من حيث انتهائها أم لا ؟ وهل هي المدد ذاتها التي حددها المشرع بالنسبة للتوقيف؟

    وهنا لا بد من التأكيد على أن الإجراء الأصلي الذي أوجده المشرع لغايات ضمان سلامة التحقيق في الدعوى الجزائية هو التوقيف وحدد المشرع أحكام هذا الإجراء وطرق الطعن المتعلقة به في المادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية .

   ومن الملاحظ أن المشرع الأردني قد واكب وتماشى مع التطورات المتعلقة بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية المستهدفة ضمان الحرية الشخصية ومبدأ المحاكمة العادلة ووضع ضوابط شفافة ومدد محددة من حيث متى يكون التوقيف وما هي الشروط الواجب توافرها للجوء إليه والسقف الزمني لاستمراره سواء في القضايا الجنحوية أم الجنائية وبهذا فإن المشرع الأردني قد أفصح عن فهمه وتقديره لمدى خطورة التوقيف على الحرية الشخصية وقساوته على الفرد متحرزاً بضوابط ومدد شديدة الوضوح كي لا يستغل إجراء التوقيف لغايات التعسف بحق الشخص المشتكى عليه أو للضغط عليه للحصول منه على تسويات في دعاوى في الأصل طابعها مدني.

 

    ونجد أنه عندما وجد المشرع الأردني كالعديد من المشرعين في معظم الدول التي يسود فيها القانون أن هذه الضوابط لم تعد كافية لتجنيب الفرد (المشتكى عليه) مساوئ التوقيف وما يترتب عليه من ضرر بالرغم من موجباته فأخذ بما سبقته إليه التشريعات المقارنة واستحدث بالتالي ما سمي بالتدابير البديلة للتوقيف ونص عليها في المادة (114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وهي:-

  • الرقابة الإلكترونية.
  • المنع من السفر.

ج- الإقامة في المنزل أو المنطقة الجغرافية للمدة التي يحددها المدعي العام أو المحكمة وتكليف الشرطة بالتثبت من ذلك .

د- إيداع مبلغ مالي أو تقديم كفالة عدلية يعين المدعي العام أو المحكمة مقدار كل منها.

ه- حظر ارتياد المشتكى عليه أماكن محددة.

ونجد أن أول ما أكده المشرع الأردني في مطلع هذه المادة هو التأكيد على مبدأ عدم اتخاذ هذه التدابير إلا في الجنح وفقط في الأحوال التي يجوز فيها التوقيف.

كما نجد أن المشرع قد أورد الأحكام التي تخضع لها هذه التدابير في الفقرة الثانية من المادة (114 مكررة) كما يلي:-

  • أعطى الحق للمدعي العام أو المحكمة تلقائياً أو بناءً على طلب النيابة العامة أو المشتكى عليه أن ينهيا أو يضيفا أو يعدلا تدبيراً أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في الفقرة الأولى.

وهنا نشير إلى أنه إذا كان الطلب مقدماً من المشتكى عليه فلا يمكن تصور الإضافة إلا أنه من الممكن استبدال تدبير أشد بآخر أقل قسوة على المشتكى عليه أو إنهاء التدبير .

  • في حالة إخلال المشتكى عليه بأي من التدابير المترتبة عليه جاز للمدعي العام أو المحكمة الرجوع إلى الإجراء الأصلي أي التوقيف مع جواز مصادرة الكفالة لمصلحة الخزينة في حال كانت الكفالة هي أحد التدابير المتخذة بحق المشتكى عليه.

ج- فيما خلا ما ورد من أحكام خاصة أي فيما عدا الحالتين (أ وب) أعلاه يسري على التدابير ما يسري على التوقيف من أحكام وطرق طعن ورد النص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وفي الحالة المطروحة نجد أن ما ورد في الفقرة الأخيرة هو ما يثير الجدل والتساؤل حول تفسير مصطلح (أحكام) هل يقصد به أيضاً المدد الواجب التقيد بها في حالة التوقيف وانسحابها على التدابير أم لا ؟

وقبل البحث في ذلك لا بد من بيان أمور جوهرية تتعلق بتحديد طبيعة التوقيف والتدابير البديلة له وهنا نجد أن الإجراءات سواء الأصلية أو البديلة الواردة في النصين (114 و114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنقسم من حيث طبيعتها إلى:-

  1.  إجراء مانع للحرية (التوقيف).
  2.  إجراء مقيد للحرية (المنع من السفر والإقامة في المنزل والمنطقة الجغرافية المحددة وحظر ارتياد أماكن محددة والرقابة الإلكترونية).
  3.  إجراء ضمان الحضور وقت الطلب (الكفالة العدلية والإيداع النقدي).

وفي هذا السياق لا بد من الوقوف على إرادة المشرع وقصده بإيراد هذه الإجراءات انطلاقاً من الغاية والحكمة التي استحدثت هذه النصوص من أجلها فالتوقيف والتدابير البديلة هي إجراءات أوجدها المشرع لغايات حسن سير إجراءات التحقيق بشكل سليم دون عوائق وهذا بدوره ينسحب أيضاً على مرحلة المحاكمة فإن توفرت لدى المدعي العام القناعة بأن إجراءات التحقيق تسير على أكمل وجه ودون معوقات فإنه من المفترض به عدم اللجوء إلى التوقيف أو التدابير البديلة أما إذا تحققت القناعة لدى المدعي العام أن أسباب التوقيف متوفرة ولكنه لا يرغب باللجوء إلى التوقيف لما هو معروف عنه من آثار قاسية على المشتكى عليه فإنه يستعيض عنه باللجوء إلى التدابير البديلة بمعنى أنه يلجأ للتدبير البديل ابتداءً وفي هذه الحالة إذا كان التدبير الذي لجأ إليه المدعي العام هو من التدابير المقيدة للحرية فإنه بحكم المنطق يأخذ حكــــم التوقيف من حيث بداية المدد ونهايتها إذ لا يعقل أن يكون الإجراء البديل المقيد للحرية أشد وطأة على المشتكى عليه من الإجراء الأصلي (التوقيف) المانع للحرية أما إذا لجأ المدعي العام ابتداءً إلى التدابير البديلة التي تعتبر إجراءات ضمان الحضور وقت الطلب (الكفالة العدلية والإيداع النقدي) فلكونها إجراءات لا تمس الحرية والحضور قد يكون مطلوباً في أية مرحلة من مرحلتي التحقيق والمحاكمة فإنه بحكم العقل والمنطق لا بد أن تنتهي هذه التدابير بانتهاء الدعوى ولا تنسحب عليها مدد التوقيف والتدابير المقيدة للحرية سابقة الإشارة .

كما تجدر الإشارة إلى أن المشرع في نص المادة (114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية قد منح المدعي العام أو المحكمة استبدال تدبير بآخر إذا طلب المشتكى عليه ذلك أما إذا طلب إنهاء التدبير المقيد للحرية فهنا نجد أنه لا يوجد ما يمنع من استبدال التدبير المقيد للحرية بالكفالة أو الإيداع المالي المناسب شريطة عدم التعسف كما أشرنا بالرغم من أن الطلب وارد من المشتكى عليه لإنهاء التدبير .

وعليه فإننا نجد أن قرار المدعي العام باستبدال قرار منع السفر الصادر عنه بحق المشتكى عليه (حميد أكرم حميد النجار) بكفالة عدلية بقيمة خمسة ملايين دينار فيه مغالاة واضحة جعلت تدبير منع السفر أقل وطأة عليه من تقديم تلك الكفالة وبذلك يكون المدعي العام قد خالف الغاية التي ابتغاها المشرع من التدابير البديلة للتوقيف الواردة في المادة (114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وتكون محكمة البداية بصفتها الاستئنافية بقرارها الصادر بالأكثرية قد أصابت بإنهاء منع السفر بحق المشتكى عليه من حيث النتيجة وليس من حيث التسبيب الأمر الذي يترتب عليه رد الطعن التمييزي .

  لذا نقـــــــــرر رد الطعن التمييزي موضوعاً وإعادة الأوراق إلى مصدرها.

قــــراراً صـــدر بتاريـــــــــــــخ 12 رمضان سنة 1441 هـ المــوافـــق 5/5/2020م.  

عضــــــــــــــــــــــــــو                  عضــــــــــــــــــــــــــو            برئاسة القاضـــي

عضـــــــــــــــــــــــــو                   عضـــــــــــــــــــــــــو            عضـــــــــــــــــــــــــو

عضـــــــــــــــــــــــــو               عضـــــــــــــــــــــــــو            عضـــــــــــــــــــــــــو